هناك قاعدة مهمة يغفلها الكثيرون عند الزواج، وهى أن تدقيق الاختيار فى البداية يضمن نجاح النهاية، أما التغاضى عن السلوكيات الغريبة فتكون له عواقب وخيمة، ويقتضى العمل بهذه القاعدة اتباع وصفة وقائية منذ لحظة التعارف بسؤال أسرة العريس أو العروس عن الطرف الآخر وتاريخه العائلى، فهذا السؤال هو مفتاح الطريق لمعرفة كل المعلومات المتعلقة بزوج أو بزوجة المستقبل.
المستشارة الأسرية د. أمل الصبان تطالب كل مقبل على الزواج بتحري هذه القاعدة الصحية والتوقف عندها.
وقلت: أعرف من ارتبط بامرأة كندية من أصل مغربى لمجرد الزواج، وكان طبيعيا عندما استنفدت غرضها منه أن تطلب الطلاق لكى تبحث عن ضحية آخر تخدعه بالألاعيب والأوهام.
وأعرف من تزوج بسيدة مصرية مطلقة بناء على ترشيح أخته، دون أن يتحرى أسباب طلاقها، ولم يعر أى اهتمام لزواج أمها أربع مرات، فمثل هذه التركيبة للأم وابنتها لابد أن تستوقف من يرغب فى الزواج منها فيدرس تركيبتها الأسرية والنفسية والصحية، لكنه لم يفعل ذلك، بل إن أهلها صنعوا الصنيع نفسه، فلم يتحروا عنه جيدا، وقد كانت تركيبة أبويه تركت أثرها فى تكوينه فصار عصبيا متقلب المزاج، لا يستقر على حال، فتارة يثور على زوجته ويسبها بألفاظ جارحة، وتارة أخرى يشك فى أن لها علاقات غرامية بآخرين، وهذا التقلب المستمر هو الذى أحال حياته إلى جحيم.
وتشخص د. أمل الصبان العلاج الناجح فتقول: الأمر يتطلب استئصال الداء الذى يتمثل فى كل السلبيات التى تعترى مثل هذه الشخصية بالتدريب على بعض التصرفات، والتماس العلاج النفسى، ولتكن البداية بجلسة مصارحة يتم الاعتراف فيها بالأخطاء وإبداء الاستعداد للتجاوز عما فات، وبدء صفحة جديدة ملؤها الثقة وحب الناس.
وتنصح كل زوجين فيهما مثل الصفات السابقة بالابتعاد عن بعضهما وقت الغضب، وأن يلين كل واحد جانبه للآخر، ويتجنب اللوم الزائد له، وعدم الاستمرار فى مناقشة أى موضوع عندما تبدأ ظواهر الانفعال لدى أى منهما، وإرجاء المناقشة إلى وقت آخر عندما يحل الهدوء والسكينة محل الانفعال والتوتر، والبعد تماما عن أى كلام يعنى التحقير والاستهزاء، ويثير النكد، وتجنب الشك الذى يعد فى مقدمة الأسباب التى تؤدى إلى عدم استقرار الحياة الزوجية.
وترى د. الصبان الشك درجة من درجات المرض النفسى، إذ يتحول الشكاك بمرور الوقت إلى شخصية اضطهادية، ويتصور أن زوجته تتآمر عليه مع الآخرين، ويشك فى سلوكها، وربما تصل به الحال إلى مرض «الفصام الاضطهادى»، وهو مرض عقلى، لكنه يستجيب للعلاج .. وما أعنيه هو أن العلاج الآن سهل وبسيط إذا تحققت الإرادة.
وينبغى أن يفهم كلاهما نفسية الآخر فيعطيه ما يريد، وأذكر أن السيدة عائشة رضى الله عنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف حبك لى؟ فرد عليها: حبى لك كعقدة الحبل، فقالت: وكيف هى العقدة الآن؟ .. فرد عليها: العقدة كما هى، ثم قال عليه الصلاة والسلام: «والله لا يضرنى متى مت بعدما علمت أنك زوجتى فى الجنة».. فماذا تريد المرأة أكثر من هذه الكلمات الطيبة التى تدغدغ المشاعر، وتؤدى للزوجة حاجتها النفسية فى الاستمتاع بالكلام الحلو، وهكذا ترتبط بزوجها، وينشأ أبناؤهما فى كنف أسرة متماسكة وقوية، فثقافة الزوجين وتفاهمهما وعلمهما بأمور الحياة يساعدهما على تنشئة أبنائهما تنشئة صحيحة، وفى ذلك يقول الشاعر:
فكيف تظنوا بالأبناء خيرا*** إذا نشــأوا بحضن الجاهلات؟
وهـل يرجى لأطفــال كمــــال*** إذا ارتضعوا ثدى الناقصات؟
والحقيقة أن صبر كلا الزوجين على أخطاء الآخر أمر مطلوب، فكل واحد معرض للخطأ والزلل والنسيان لقول الشاعر:
من ذا الذى ما أساء قط*** ومن له الحسنى فقط؟
ولا نظن أن الكارثة تقع عند نشوب أى خلاف، فقد تنشأ الخلافات والمنغصات والمشكلات فى أى لحظة ولأى سبب، وذلك لاختلاف رغبات كل من الزوجين، وعند ذلك على الزوج تقبل الخلافات على أنها أمر طبيعى، ويحاول علاجها بالنقاش الهادىء والحوار البناء، فلكل داء دواء، ولكل مشكلة علاج، فلا يأس من علاج أى أزمة ما دامت الإرادة تتطلع إلى حياة زوجية سعيدة.
وليحاول الزوج أن يتحاشى إثارة الموضوعات التى تثير حساسية زوجته ويستدعى غضبها.
وعلى الزوج ألا يتخذ لفظ الطلاق وسيلة للتهديد، فالزوجة ربما تأخذه مأخذ الجد، وليس من الصعب عليها الآن أن تحصل عليه وفقا لقانون الأحوال الشخصية، لذا فعليه وليعلم هذا الزوج وغيره كثيرون أن قوامة الرجل على زوجته لا تعنى البطش والتعالى والتكبر، وإنما تعنى الرعاية والحفظ والرأفة والرحمة، ووضع كل أمر فى موضعه شدة ولينا، وأنصحه أن لا يكن كالرجال الذين لا يرون ما عند زوجاتهم من الإيجابيات والفضائل، ولا ينظرون إليهن إلا بعين التقصير والانتقاص،
وفى ذلك يقول الشاعر:
نظروا بعين عداوة لو أنها*** عين الرضا لاستحسنوا ما استقبحوا
فلا تتخيل أن أى امراة أحسن من زوجتك، فقد يرى الرجل امرأة فى ثيابها، فيتخايل له أنها أحسن من زوجته، فيسعى إلى الزواج بها والتسرى معها، فإذا حصل له مراده يفاجأ بما لم يكن يتخيله من عيوب، فيمل منها، ويطلب غيرها، فحذار من المرأة حال استتار عيوبها عنك وظهور محاسنها إذ أنها سوف تلذك ساعة ثم تندم دهرا، ولتعلم أنه لا سبيل إلى مراد تام كما تريد.
وإذا أردت أن تدوم عليك السعادة، فانظر إلى من يعيش فى نكد دائم وتعاسة مستمرة، ومن لا يستطيع توفير ضرورات الحياة لزوجته وأولاده، وأصحاب الأمراض المزمنة التى أفقدتهم الفرح والبهجة والاستمتاع بالحياة، وكن دائم الاتصال بالله حيث يقول تعالى «الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (الرعد 28) .. وأسأل الله التوفيق والسداد، وهو وحده المستعان.